الخميس، 29 ديسمبر 2011

ذاكرة الاسماك





كان صباحا عاديا ككل صباح .. اجواء الغرفة الباردة ذات الجدران البيضاء .. والنافذة المجافية لأشعة الشمس تبث رياحها الرطبة في صمت .. صدح بائع الجرائد اهرام .. اخبار .. المصري اليوم .. فُزعت من الصوت اسرعت الي النافذة تسكرها حتى تصد الضجيج الغاشم الذي يقتحم عالمها ويلوث هدوءه .
تناولت كوب البرتقال الموجود على الطاولة .. عادت سريعا الي مضجعها تندس تحت الاغطية .. متجاهلة نظرات الحزن والشفقة في عيني امها العجوز .. متجنبة الحوار معها .




هامش اجباري ام هامش اختياري .. كان موضوع حوارها مع صديقتها القريبة الي قلبها عبر اثير الانترنت .. مؤسف ان صديقتها الوحيدة خارج ارض الوطن على بعد اميال وان كل صداقاتها ماهي الا عقد منفرط الحبات .. وكل من حولها لا تدين لهم بحب ولا يدينوا لها بوفاء .. تصفها بانها علاقات ميكافيلية احادية الاتجاه.
تجيبها: بالطبع هامش اختياري .. فالعزلة كانت اختياري .. والمحبس اختياري .. والغروب اختياري.
تواجهها بل الهروب اختيارك و الضعف هو الاجباري
تباغتها هل لازلت تحتفظين برقمه على هاتفك؟
تجيب بالطبع لا
تلاحقها هل لازلت تتذكرين رقم الهاتف؟
تتلعثم وتتمتم بدأ يتفلت
تصفعها بالحقيقة لا زال المحتل يحكم قبضته على رفات الفؤاد .. ولازلت تجسدين دور الضحية التي تعشق سوط الجلاد.تنفعل تصرخ بها انتِ لست صديقتي .. انتِ لا تَدْعُميني .. بل انتِ من تجهضين كل محاولاتي المستميته في العودة للحياة .. توقظين ماض لطالما حاولت ان اطويه في غياهب النسيان .
بكلمات خرساء تطعنها واهمة فذاكرة الجِمْاَل تأبى النسيان .. لم ولن تستطيعي
باصرار وتحدي : بل أستطيع .. أستطيع

تأوى الي فراشها فتغفو قليلا ..تنزوي في عالم الاحلام .. رؤى قديمة متكررة تطاردها .. اشجار الغاب المكتسية بطحالب خضراء لزجة واغصانها المتدلية تحيط بها ..صوت رذاذ المطر الهاديء يمتزج باصوات الحشرات الليلية مع اصوات فراخ السنونو المتلهفة لعودة امهاتها ساعة المغيب .. الكون يعزف سيمفاونية منفردة تنبعث من كل الارجاء .. الضباب الكثيف يلف المكان .. رؤية السماء مستعصية فالمكان اشبه بقفص مغلق رغم اتساعه .. رهاب الاماكن المغلقة يتسلل الي نفسها شيئا فشيئا .. عواء ذئب جائع يفصح عن وجوده .. تنتفض جزيئات الادرينالين في دمائها تجري بكل قوتها صوب بصيص النور الوحيد الذي يشق الافق .. تنزلق قدمها في هوه .. تسقط وتسقط وتتوالى السقطات .. تستيقظ منزعجة تتفحص المكان بدهشة .. حجرة باردة ذات جدران بيضاء .. نافذة موصدة لا تطأها الشمس .. امرأة عجوز سمحة الوجه تبتسم لها بعينين ملؤها الحزن وتناولها كوب من البرتقال و مفكرة وردية اللون مهترئة الاوراق .. تفتحها وتقلب فيها .. تبدو يوميات .. تصل الي اخر صفحة مسجلة بتاريخ قديم مضى عليه ثلاث اعوام .. كلمات باهتة تشي بيد مرتعشة تتحسس السطور .. " ذاكرة الاسماك "

هناك تعليقان (2):

  1. دايماً احنا اللى بنعذب نفسنا بإدينا .. بإصرار على تكملة طريق مسدود .. وبإصرار على تذكر آلامنا وجلد انفسنا والاستمتاع بذلك .. طيب يبقى مانلومش حد تانى إذا كان اللى نسينا عايش حياته واحنا اللى لسه فاكرين ومتعذبين وكأن الدنيا كلها واقفه على واحد .. زى الطفل اللى شبط فى لعبة غيره .. أو عايز يلعب بالنار عشان شكلها مثير ..

    ردحذف
  2. تستقيظ منزعجة " تستيقظ منزعجة " مش بقولك لازم تراجعى قبل النشر
    كل عام انت بخير

    ردحذف